إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، واشهد أن لا إله ألا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله .
أما بعد : فإن شهر الصيام هو شهر رحمة وغفران ... وموسم عبادة وإحسان ..تعظم فيه الأعمال .. وتضاعف فيه الحسنات في المآل ... واللبيب الكيس هو من يوطن نفسه لاغتنامه .... ويلتمس قطف ثماره ... ويصيب من خيراته ورحماته ... فكيف نغنم من شهر الصيام ؟
أولاً : في هذا يحمد السباق
1- أخي ... ليس شيء يحمد في التنافس والسباق إلا في أعمال الخير وأمور الآخرة}وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُون {(المطففين:26)
}سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ{(الحديد:21)
}وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ{(آل عمران:133)
فهذه الآيات كلها تحفز همة المؤمن للعمل والتنافس في الخير .... واغتنام صحته وفراغه ومواسم الخير وأيامه في سبيل فلاحه ونجاته في الآخرة .
وفي تلك المواسم العظيمة التي فيها يحمد السباق ... ويستحب التنافس : موسم شهر الصيام ... فيه يعتق قوم من النار ... وفيه يغفر الذنب ... ويستجاب الدعاء ... وتنـزل الرحمة ... وتحل البركة ... وفيه ليلة هى خير من ألف شهر من حرم خيرها فهو المحروم ... وفيه تضاعف الأعمال .
فليس أحد يعمل مقدار ثوابه إلا الله جل وعلا كما قال r ' كل عمل ابن آدم له ؛ الحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مائة ضعف إلا الصيام ؛ فإنه لي وأنا أجزي به ، إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي ' للصائم فرحتان : فرحة عند فطره ، وفرحة عند لقاء ربه ، ولخلوف فم الصائم أحب عند الله من ريح المسك ' ( رواه البخاري ومسلم ) .
قال النخعي : صوم يوم من رمضان أفضل من ألف يوم ، وتسبيحة فيه أفضل من ألف تسبيحة ، وركعة فيه أفضل من ألف ركعة ، فلما كان الصيام في نفسه مضاعفاً أجره بالنسبة إلى سائر الأعمال كان صيام شهر رمضان مضاعفاً على سائر الصيام لشرف زمانه ، وكونه هو الصوم الذي فرضه الله على عباده .. وجعل صيامه أحد أركان الإسلام التي يبني الإسلام عليها .[ لطائف المعارف لابن رجب ص 169 ].
وسائل اغتنام رمضان
الاهتمام بالقرآن :
تلاوة وتدبراً وحفظاً وفهماً لما يجب فهمه وذلك لأن رمضان هو شهر القرآن ، كما قال تعالى}شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ{(البقرة:185)
وقد كان رسول الله أكثر اعتناء بالقرآن في رمضان وكان يعرضه على جبريل عليه السلام .. وكان الصحابة وعامة السلف أكثر حرصاً على القرآن في رمضان من غيره فمنهم من كان يختمه في سبع ليال ومنهم من يختمه في ثلاث ... وكان الزهري إذا دخل رمضان قال : إنما هو قراءة القرآن وإطعام الطعام .
أخي الكريم .. وإن حرصك على الاعتناء بالقرآن في رمضان هو خير وسيلة تغنم بها .. فضله تأسياً بالنبي r والتماساً للأجر العظيم الذي يناله صاحب القرآن كما قال r ' إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين ' ( رواه أحمد ) .
ولقوله r ' الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام : أي رب إني منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه ، ويقول القرآن : أي رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفعان ' ( رواه أحمد ) .
الإكثار من ذكر الله :
فإن ذكر الله جل وعلا هو أفضل ما يتقرب به إلى الله بعد أداء الفريضة ، وهو أداء وسيلة عظيمة يتقرب بها الصائم إلى ربه ، قال r ' إلا أخبركم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة ، ومن أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم ؟ قالوا : بلى يارسول الله ! قال : ذكر الله عز وجل ' ( رواه أحمد ) .
أخي الكريم .... فإذا كنت تحب أن تعمر شهر رمضان بالخير ... فعليك الإكثار من الذكر ... كالاستغفار والتسبيح والتهليل وكثرة الصلاة على رسول الله r ... فإن اشتغال لسانك بذكر الله يولد طمأنينة قلبك ... ويملأ بالحسنات صحيفة أعمالك ... ويكفيك فضول الكلام اللغو .
الحرص على صلاة التراويح :
فإن قيام رمضان كفارة للذنوب كما قال رسول الله r ' من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ' وقال r ' إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام الليلة ' ( رواه أبو دواد ) .
قال الألباني رحمه الله والشاهد في هذا الحق قوله r ' من قام مع الإمام ....' فإنه ظاهر الدلالة على فضيلة قيام رمضان مع الإمام .
فاتق الله في عمرك ، وأقبل على صلاة التراويح يقبل الله عليك ، وانظر إلى سلفك من الصحابة .
عن السائب بن يزيد أنه قال : أمر عمر بن الخطاب أبي بن كعب وتميم بن أوس الداري أن يقوما بالناس بإحدى عشر ركعة . وقد كان القارئ يقرأ بالمئتين حتى كنا نعتمد على الحصن من طول القيام ، وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر .
الاجتهاد في العبادة في العشر الأواخر :
فإنها أيام مشهودة ... فيها ليلة القدر هى خير من ألف شهر ، ولأجل نيل ثوابها كان رسول الله r إذا دخلت العشر الأواخر طوي فراشه وأسهر ليله بالقيام وكان r يقول ' إن هذا الشهر قد حضركم ، وفيه ليلة خير من ألف شهر ، من حرمها فقد حرم الخير كله ، ولا يحرم خيرها إلا محروم ' ( رواه ابن ماجه ) .
فاغتنم أخي .. تلك الليالي ... وتفرغ فيها لربك بالتبتل والقيام والذكر حتى لا تكون في ديوان المحرومين .
ترك الرد على الجاهلين :
فإن من آداب الصيام صيام الجوارح عن الآثام واللغو ومن ذلك ترك الرد على الجاهل لقوله r ' فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل : أني صائم ' .
ترك الغيبة وشهادة الزور :
فأي غنم يلحق من أشغل لسانه بالسباب واللغو والغيبة وشهادة الزور والكذب والنميمة ، قال رسول الله r : ' من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ' ( رواه البخاري ) .
ترك المعاصي :
قال جابر رضي الله عنه : ' إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم ، ودع عنك أذى الجار ، وليكن عليك وقار وسكينة ، ولا يكن صومك وفطرك سواء ' .
وقال أحد السلف : أهون الصيام ترك الشراب والطعام .
فاغتنامك لرمضان لا يتم ولا يكمل إلا بترك المعاصي والصيام عن الآثام .
العمرة في رمضان
لقوله r :' عمرة في رمضان كحجة معي ' ( رواه البخاري )
قال ابن العربي : هذا صحيح مليح وفضل من الله ونعمة نزلت العمرة منزلة الحج بانضمام رمضان إليها.
أخي ... وهذا أيضاً يؤكد أن شهر رمضان شهر غنم فضيل .... وأن الله يجزي فيه على القليل كثيره لشرف وقته وزمانه ، وتأمل كيف أن العمرة فيه تماثل ثواب الحج وتقابل فضله والحج المبرور ليس جزاءاً إلا الجنة .... ومن حج حجاً مبروراً رجع كيوم ولدته أمه .
فالعمرة في رمضان وإن كانت لا تقوم مقام الحج ولا تسقط فرضه على المستطيع فهى تقابل وتماثل ثوابه وفضله وفي ذلك تحفيز لكل باغ للخير أن يقبل عليه في شهر رمضان .