ومن علامات احترام الوالدين. خدمتهما في كل ما يحتاجان إليه :
ولست أقصد بالخدمة مجرد أن يطيع الابن ما يطلبه منه والداه في أي أمر. طبعاً هذا واجب. ولكنني أقصد أكثر من هذا.. أن الابن الحكيم ينظر من تلقاء نفسه ما هو احتياج أبيه. وما هو احتياج أمه. ويخدمهما دون أن يطلبا ذلك منه.
مثال ذلك: وجدت والدك واقفاً ومتعباً. لا تنتظر أن يطلب منك احضار كرسي ليجلس . بل اذهب من تلقاء نفسك واحضره له. وقل له: تفضّل يا أبي واجلس.
كنت جالساً مثلاً إلى المائدة . ووجدت صنفاً ينقص أباك. احضره له وضعه أمامه. وجدت كوب الماء الذي أمامه فارغاً. املأه له.
وجدت أمك مثلاً متعبة في العمل . تقدم وساعدها دون أن تطلب منك. لا تجلس إلى المائدة. منتظراً حتى تضع والدتك الطعام أمامك.
وإنما اذهب واحضره معها. وفي نهاية الأكل. ارفع معها بقايا الطعام وساعدها.
اخدم أباك وأمك واحترمهما . وثق أنك بذلك ترتفع درجة في نظرهما. وفي نظر الكل. وأمام الله نفسه.
وما أكثر الأمثلة التي يقدمها لنا التاريخ في ذلك :
إن يوسف الصديق . وهو نائب فرعون في حكم مصر كلها. وخاتم فرعون في يده. وكل السلطة أيضا في يده.. مع كل هذه العظمة التي أحاطت به. لم يستنكف من أبيه راعي الغنم.. بل شدّ يوسف مركبته وصعد لاستقبال أبيه. وقدّمه لفرعون كراعي غنم.. إنه درس يقدمه يوسف الصديق لكل ابن يرتفع مركزه . فيستحي من بساطة أبيه.
يجب على الابن أن يحترم أباه. ويوقره. ولا يستخف به. ولا يستهين برأيه. ولا يظن أنه "دقّة قديمة". وأنه من جيل مضت أيامه ليفسح الطريق للجيل الجديد الصاعد. الجيل الذي يتقن الكمبيوتر الذي لا يعرفه أبوه!
أيضا من عناصر إكرام الوالدين : الطاعة والخضوع
الطاعة والخضوع :
إن الطاعة عنصر جوهري في إكرام الوالدين. ومن المفروض أن يطيعهما طاعة قلبية عن حب ورغبة في إرضائهما. وطاعة حقيقية ليست ظاهرية. وطاعة عن رضي بغير تذمر. وطاعة سريعة بغير تلكؤ. طاعة في غيبتهما وفي حضورهما. وأيضاً طاعة داخل وصية الله.
ولا تكون طاعة شكلية. فإن رفضا له طلباً. يظل يضغط ويلح . ويستمر في الضغط والإلحاح . وقد يتضايق ويحزن . حتى يسمع أخيراً كلمة الموافقة. فليلتقطها بسرعة قبل أن يسحباها. ويسمح لنفسه أن يقول "أنا طوال عمري لم أخالف والديّ. لم أفعل شيئاً بدون موافقتهما"! وهو يعلم أن الموافقة لم تكن من قلبيهما بل نتيجة ضغطه!
يحكي عن أحد الشبان أن أتى إليه أصحابه يدعونه للذهاب معهم إلى مكان ما. فاعتذر قائلاً "لا أستطيع لأن والدي أمرني بعدم الذهاب إلى هناك". فقالوا له "لا تخف. تعال معنا. وأبوك سوف لا يعلم". فأجابهم "نعم. يمكن أن أذهب دون أن يعلم أبي. ولكنني إن فعلت هذا. فإنني عندما أرجع لا أستطيع أن أرفع عينيّ في وجه أبي. بل سيملكني شعور بالخجل منه. لأني خالفت كلامه".
نقطة أخرى في إكرام الوالدين. وهي الإعالة
الإعالة :
يجب أن يهتم الإنسان بوالديه. فيعولهما ويهتم بهما. ولا سيما في فترة الشيخوخة أو الضعف أو المرض أو العجز.
فكما اهتم بك والداك في صغرك. يجب أن تهتم بهما حينما يكبران ويصبحان ولا قوة لهما ولا قدرة!
أقول هذا بمناسبة إنشاء كثير من بيوت المسنين للآباء والأمهات
حيث كبر الأولاد. فمنهم من أكمل تعليمه. وحصل على وظيفة في بلد بعيد. ومنهم من تزوج . وأصبحت حياة أحد والديه معه في بيت الزوجية تشكل ثقلاً على زوجته لا تقبله. ومنهم من هاجر إلى الخارج.
وبقي الوالدان وحدهما. ثم توفي أحدهما. وأصبح الآخر بلا عائل.. وشكراً لبيوت المسنين التي ضمت أمثال هؤلاء. حيث لم يقدر على ضمهم والعناية بهم أحد من الأهل أو الأبناء.